Translate

الأربعاء، 19 أغسطس 2020

عيناكِ

عيناكِ

"" "".''' ''''

عيناكِ تلبسُ أثوابِ الحزن
تشققُ الترابط والنكوصِ
قهقرت مراحل الرجوع 
وسعتِ المقاعد الوثيرة
فتنة ما يأتي ويكون
عدو اطفال الطريق عُرات القلوب 
يتضرعُون قمم النخيل
وظلاً ينتحبُ بلا دموع
تختلس العلب المزركشة حواسهم فيتصايحون
ووشاحكِ الذي يعج بالسكون
يتلفت في ساحته كمجنون 
وأُناس يمشون على خاصرتكِ بالرفوض
لبلوغ لذة الوصول اياديهم ملطخة بالجروح
أَفْوَاهم تفوح بدمي الشهيد 
ملأ الجيوب بتوابلِ والصكوك 
نحن جئناكِ نقرأ في عينيكِ تواريخِ الفصول 
في زفة عُرسنا الإلهي 
فخرجنا نستقبلك بالدفوف
بدموعِ الحزنُ النبيل 
نهللُ بنهاراتِ والشمس حبلى مثلِ النشيد
حتى نكونوا كما نكون
لا تستديرُ الخطى خلف الجموع 
كل حينً نجففُ مدامع الرياحِ
نسقي الوردِ العطوُش
بشغفً نغرسُ إبتساماتِ  الوليد 
نغزل تاريخ البنفسج نجتاز وعر الفصول
بالعشقِ تطلُ الفنون
في المدُ يتباهى هذا الحضور
فيكتمل ضوءِ الألق الجميل
نحن عشقناكِ قبل الأرض تثور
بفناء الجسد وتلك السجون
بغناء والرحيل المجنون
فحدثيهم كيف في المدِ نكون
يا شعلةً في الخافق تثور
تمتهن حرفة النمل الصبور
متى غابت الشموس
ونادى ذو المرض الخجول
فخبريهُم كيف نصعد الدروب
نليقُ كما تهوى الشموس
بين قوسين أو ادني أقربُ من حبلِ الوريد
ماركسيين حمر الأعلامِ بيضُ القلوب
نشتهي النضالِ وأدب الفنون
كيف لا ينبلج النور
ونحن لم نرجو اليأس لبزوغه
عيناكِ ها تلك الشموس

عادى البراري
١٨ أغسطس ٢٠٢٠
القاهرة

الخميس، 13 أغسطس 2020

ما حدثتك يا... الحٓمدوُك

ما حدثتك يا الحٓمدوُك

:::---:::---:::---:::

يا... الحٓمدوُك
سرك غرق بطنك
عمه طقه مدن وقرية
ونحنا ألفينا اللهب الأحمر
لسع بِنٓمهل صبراً صمتك
شن انجزت في عامك الأول
لا فصلته قعدت شرحته
قدر ما نقرب تبعد اكتر
يا... الحٓمدوُك
ما. ٍ. حدثتك وشافت عينك اكتر واكتر
جانا السوق يذبح ينهب
يلاوي الجيب منه يقلع
يشاور علينا بلسانو ويضحك
يشوفك تبكي ما بتضحك
تطش الرحمة من باب قلبك
تفقد معاها راحة قلبك
يا... الحٓمدوُك مكانك سر
بقت الماجي آكلة شعبك
حتى الزيت سعراً أسود
حتى السُكر صنقع ونطط
فوق لزانه نطط اكتر
وموية الصحة تنافس البيبسي
حتى الكهربا قعدت تقطع
ما جاءتنا من سد النهضة
والنيل الأزرق ماشي الدلتا
من سنار طالع يتفسح
يكندك فينا بالطمي الأخضر
ما حدثتك كل المزارع بقت عمارات
فلل ومخازن للانتونوف
 يا... الحٓمدوُك
شالنا حلم الوعد الأخضر
ما فصلت وشرحته اكتر
لا انجزت الهم الأكبر
انقلب الحال أصبح  مآسي
الحال الفينا صبح يلاوي
اتعشمنا وزدنا أماني
باكر يصبح قصص حكاوي
نتونس بيها في وكت خرفنا
يضحكو معانا أولاد أولادنا
يبقى أسطورة دهشة امه 
نعيد فيها ونحكي مواقف
كيفن قطعنا السكة
خطوة ورا خطوة
شايلين الواقع فوق ضهرنا
يا... الحٓمدوُك
من أول عام جانا رمضان
كل الشهور بروح أبريل
كل عيد والحزن جديد
بين قصور وبيوت أشباح
ما كلمتك بالأشباح
ديل الناس الما ليهم اساس 
كاتلين الروح داسين الرأس 
دقناً بتق من كتاب الدين 
جوه الجوهر بدون أساس
الغرقو الطلبة يوم العيد
في فت يوم مئتين شهيد
سال الدم من سبتمبر لعندي أبريل
غرق الشارع قبل العيد
يوم تلتين مايهك بعيد
بين الراديو وقنوات العالم
طلعنا عديل بلا تخدير
رددنا وقولنا لينا  مطالب 
دم الكوز القتل الطالب 
باكر يبدأ الحكم المدني
ودوس الكوز مطلب شعبي 
رسمنا شعار رددنا قولنا
لا تحرير
لا تعويم
لا بنك دولي
ولا تهميش
يصبح السوق في يد الدولة
والسعر السائد سعر الدولة
لا طفيلية ولا تمكين
والنار الفينا ما ولدت رماد
أولاد الثورة لجان تغيير
بمرصاد لكل عميل
في الحتانه أو شرق النيل
لجان مقاومة للتغيير
دم الشهيد إسمه أبريل
يسري في لجان تغيير
في كل عروق شباب الثورة
مواكب هادرة للتصحيح
من أمبده لفور برنقا
ختى القرى الفي همشكوريب
من الانقسنا  لحفا قديم
ابناء الشعب وعي جديد
كل الرسائل للتذكير
الغالي الوطن ماليه بديل
ما فيهُ كبير 
لا حميدتي وبرهان الدين 
أبناء الجيش لحماية الثورة
جيشاً واحد ماليهُ شريك
لا مليشيات وتجار دين
يبقى الوطن مرفوع الجبين

عادل البراري
٢٠يوليو ٢٠٢٠

الأربعاء، 5 أغسطس 2020

عشقناك حقيقة

عشقناك  حقيقة 

::::----::::----::::

 ساكنه جوانا الحقيقة
ما عشقانك من فراغ
والهم جية سحاب
يا مطيره صبي لينا
مدي ضرع النيل ثبات
القطاطي المليانه فرحه
ما يغشاها بحر السراب
تبقى الأمنية غيمة
تزرع شوق الحصاد
تفرهد القطية فرحة
تنبني عمارات السحاب
تضوي فصول القراية
جرعة لاطفال المهاد
حكيم للأسرة زاير
يرفض حق القعاد
ما عشقناك لمصالح
فينا اللي سجن ومات
الشهيد اللينا فينا
قدد توبه الرصاص
بسمك اتبسم ومات
كم شهيداً منه مارق 
حلق فوق للغمام 
ضوه بنورو الظلام
لحمل ماجاهو المخاض
عشان ناس جابر الصغار
يصبحوا باكر الميعاد 
يبقوا الشجر الكبار
ما عشقانك انصاف حلول
تنملي فيها السجون
ترفع أعواد المشانق
والعسكر يفتش ضمير 
ينهر وتاني يبيع
ويكتر  رقيص المهازل
الجوع لينا يسوق
تبدأ مزادات التراضي
يسكر المداد بالكلام 
تفتح أسواق الضمير
يعشش فوق لينا الغباش
ترهن المسافات خداع
عشقناك أغنيات
ترجع الوتر الزمان
تحفر جوه العصب ساس
سر جمالك والأمنيات
تلبس الشمس البتطلع
ثوب أجمل زفاف
يبشر العشق ألفينا 
تخيط الرحط سحاب
تزرع الحب السلام
تبني المدن الخراب
تضوي من تاني الشمس
لا مهازل
لا سجون
تهجس أصوات البنادق 
لا لعلعت رصاص تكون 

عادل البراري
٥ اغسطس ٢٠٢٠
القاهرة

الأربعاء، 29 يوليو 2020

اهازيج

اهازيج

&&&&&

أليس لتلك العيون حساً وجنون
ومربط يفج كل مضماره بالفنون 
عمراً بين العشبُ والنخلة يجول
ليس لومضات الزفير بعض سكون
اغرف بأواني العمرِ ما يكون
ماءاً ان كان الدلو ذو شجون 
تلك حدود يختبئ فيها السكون
يا سيدتي أتلك رموز
ام لغة ذات فصول 
تلك الفواصل جنون 
والحب يحبو فكيف يكون
في الكم كيفاً وزهر شتول 
حرثناها بهواء من جنون 
يا سيدتي
للجنس خارطة عشق وذهول
لو يستحي البرتقال ما نظر 
إن نظر يرتد الفصل فصول
رفرف الفراش بخمره
مثل ما ماله فيميل
إن اِستَحَى في رد فعله 
ماكان ارتوى من ثدي الزهر النضير
بخمرِه يترنح ليس مثلما يطير
تارا يهبط يصعد بنشوة الغريق 
وابتل طرفه من حنين
كبحر عنده أطرافه ارتمى
على اعتاب ضفته وهو صريع
مخموراً بخمره الجميل 
فاصبح يعشقُ بجوى
يزفر رئته ناراً وحريق
مفتوناً بهيام كلما حلق جنون 
يصفق لخارطة الجسد
كلما طار يعود 
كيف باللظى قد اِكتَوَى 
في اي لحظات يمنح قليلاً
يغرق فينادي بالمزيد
يحلقُ كما يشاء
يعود ليرتوي وفق طقوس الظمَّأَ  
اي قلباً كان في الشوقِ قد اِكتَوَى
صار كفحم حريق
أو عاد رماداً بعد حريق
تلك طقوس نعشقها في زمن
لا يبدو في البعدِ بعيد 
لا يعرف الوقار ان خط في الوجه حزن المشيب 
وتجاعيد العمري جرفتها الفصول
ليس خوفاً من زمنٌ قد طاله ولم يطول
فكشفت عن حياء ساقيها
حتى شح قلبها فهو ضريم
فقيل لها ادخلي إِنَّهُ مُّمَرَّدٌ مِّن قوارير
يا ويح قلبي ظننته لُجَّةً تموج من عميق
فتبسم ضاحكاً ملء شفتيه
قالا أين الهدهد ليرى ما لا يرى
أن في البحر مزيد

عادل البراري
٢٨ يوليو ٢٠٢٠م

الأربعاء، 15 يوليو 2020

هواجس حرف

هواجس حرف


"""""""""""""

تعب هذا السؤال
الذي يمشي بلا حقيبة 
تعب المنفى من خطاوي بلا حبيبة
تعبت المسافة من حمل كتف القصيدة
والبدن من أثقالِ الإنتظارٍ
هذا اللسان لم يخاف الحقيقة
أنا لم أتيكِ جميلا
مثل البدر أو أكثر تفاصيلا 
كل أقراص التهجس لم تنال راحة الليل العميقة 
لم تنال بعض رشفة شفة القصيدة
البحر يتفرسخ ليس كما تشتهي الشموس البعيدة
الحروفُ حالمات الأرجل
كم في شهوة الخبز قصيدة 
مثلما مشى الياسمين ينشد وحدته
والخبز حافي القدمين يترنح بعيدا 
يتسرب من ملاذ الجياع
والسجان ينتكئ على الباروده
يداعب خصية مَنْ لم يعرف الحقيقة
يفرز سموم الطغاة حديقة 
عجبي كيف دهس العشق قضية
فإنطوى القرطاس يداهن ظهر حقيقة
الريح فراشة
النساء الرائعات حقيقة
وقود المسافات البعيدة
و الهتافات الكبيرة
لهن يكتب العشقُ قصيدة
بهن تزرع الأعين حديقة
نولدُ على اصواتهن الجميلة 
نام القاضي على ثدي القضية
فتاة  تجاذبت العشق
على عطش السنابل والضفيرة 
لم تنل من الشوق إلا  حمرة الخجل
نظرة الفرح الوديعة  
وعمراً لا يعرف الهوى إلا حقيقة
غصة في مدامعها العميقة
البحر يرتجف في مسامات الحقيقة
غصبت ثم أغتصبت 
فزعت
صرخت
رحلت فنامت وحيدة
بلا غطاء 
بلاء هوية
غطى الكفنُ بعض عورتها
بصدرها نام الوجع ياجج الحرائق وبعض الألوان الطلحُ لستً العربية 
في مدامعها سكن الحنين
ينسكب على الأفق كل حينا ودقيقة 
سكن النحيب في مفاصلها
يستلب رعشتها البعيدة 
فمضى السكون يجوب كل حينا
فلم يدرك حيناً كم هي الحقيقة
ماتت صغيرة
فماتت كبيرة
لم تشهق إلا فزعاً
إلا حزناً وقضية
هنا تمضي الأشياء بلا وجه
تصرخ كريح صريرة
لا تبصرُ إلا عتمة الأسود 
تنتعل الأسماء والفجيعة
والأبواب تفتح تمنح الوصايا
صكوك الغفران الطويلا 
الخبز ليس للأفواه العفيفه
أليس  في ذاك حقيقة
هذا الخبز الأنيق
يدخل أبواب المجالس
مع الفاكهة وفتاة جميلة
باعت بعض ثديها وخصل الضفيرة 
يتوسطها همساً يرق جمالها
يقلم أظافر السؤال
يرتقي بحيل الخيال
يعلو كما لا يحلُ وفيا 
فتعلو حبال الرهان حينا والإبتذال الانيق مشدوق الخيال
ذاك يغامر من تحت اكم الحساب وقيمة قديمة
وذاك يصرخ بقافية عتيقة
وذاك يدندن لمولاه قصيدة
رحل الحرف يا أنستي 
مانح مدامعه هدية
وأنا امتطى صهوة الإنتظار
فالخيالُ يتدفقُ حيناً فحينا
ليس في خافقي بعض نبيا
ولا حكمة تفتح الأبواب شجيا
ولا أجيدُ طقوس الإنحناء
هذا القلق يجبرني
ينازعني
كم وددت أن أبني في عيناك قصراً ذو شرفات جميلة 
أطوع الشمس وياسمين أحيك لها فراشا
يتبع أجنحة الريح 
افتح نهراً للعشق أبديا
أقاسمك خبز يجيد الكلام ويعرف مصير النبيذ المعتق
يعلو فوق خيالات القضية 
كيف أمنحك رضوان السماء
والنيل مخصب بالدماء
فراق الإخوة نحو حياة
ليس في طعمها أبدية 
رأحبة الوادي رحلوا دون ذاد اللقاء
والبقاء يمكثُ في الوجدُ حنينا 
قاسي هذا الزمان
قاسي هو الرحيل
مر على حبال الكلام
حلو على مذاق الطغاة
ونزع الروح الجميلة 
الشمس حرفاً وروح تناسل هتاف النضال
كل حرف ينبت حجراً
كم عصفوراً حينها ينداح فضاءات 
أهواك من الشط للشط
في عينيك ألف سؤال
ألف ألف من الشوق سلام
كل حرف حين يقام شديد الكلام
عند حاضرته يرتعد الطغاة
فاكتب العشق كما تشاء
أختم فؤادك كما شئت
عدد الحبُ حروف النضال

عادل البراري
١٢ يوليو ٢٠١٧

الاثنين، 6 يوليو 2020

نحو فهم مادي للعِرق في أميركا، مسعد عربيد

نحو 

 مادي للعِرق في أميركا، مسعد عربيد 


“في مجتمع يتنكر للعدالة ويفرض الفقر ويسوده الجهل، وحيث تشعر طبقة، أي طبقة،بأنه (المجتمع) ليس سوى مؤامرة منظمة للقهر والنهب والاحتقار، في مجتمع كهذا لا يمكن أنْ يتوفر الأمان لا للفرد ولا للمتلكات.”

فريدريك دوجلاس (1818 ــ 1895)

مفكر وكاتب ومناضل أميركي أسود

تناولت في الفصول السابقة بعض جوانب العُنصرية وإشكالياتها في الولايات المتحدة وهو، بدون شك، موضوع معقد ومتشعب. وسوف أعمد في هذا الفصل إلى تقديم بعض المفاهيم المفصلية التي تشكل مدخلاً لفهم نقدي للعِرق والعُنصرية في الحالة الأميركية وصولاً إلى ترسيخ فهم طبقي قوامه: أنَّ جذور التمييز العُنصري وأسبابه وعوامل ديمومته تكمن في المصالح الطبقية للأغلبية البيضاء المهيمنة وحمايتها وإبقاء هذه الطبقة في موقع السلطة والتحكم بمقاليد القرار السياسي والاقتصادي.

أود الإشارة هنا، وإن لم يكن هذا من صلب موضوعنا ودون أنْ ندخل في التفاصيل في هذا المقام، إلى أنَّ وجهات النظر التي أطرحها في هذا الفصل قد لا تَلقى موافقة أو ترحيباً بين الكثيرين من العرب الأميركيين، بل يظل موقف هؤلاء موقفاً خلافياً في أحسن الأحوال. فالعرب الأميركيون يختلفون في هذه المسألة وتتباين آراؤهم ومواقفهم كما هو شأنهم في العديد من المسائل السياسية والاجتماعية في أميركا. وبالرغم من التوق الانفعالي في أنْ يشكل العرب الأميركيون كتلة واحدة، على الأقل في الموقف السياسي والعملية الانتخابية الأميركية، إلا أنَّ واقع الأمر كان دوماً مغايراً ومعاكساً لهذه الرغبة، لأنَّ مواقف العرب في أميركا، كغيرهم من الجاليات والأقليات المهاجرة، ينبع من الموقع والمصالح الطبقية والاجتماعية وحتى الشخصية للمهاجر، كما يعود في جزءٍ منه إلى دوافع الهجرة ويتأثر بالخلفية والموقع الاجتماعي والاقتصادي للمهاجر في الوطن الأصل.

يتوجب علينا، من أجل التأسيس لفهم نقدي لمسألة العِرق عموماً وفي أميركا على وجه الخصوص، أنْ نجلّس العِرق والعلاقات العِرقية في إطار العلاقات الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية في المجتمع، فدراسة العِرق يجب أنْ تقوم على أنّه، في الجوهر، بنيان اجتماعي محدد وظاهرة اجتماعية واقتصادية وإنسانية. وعليه، فإنَّ فهم مسألة العِرق يتطلب وضعها ضمن النظام الاجتماعي ـ الاقتصادي المهيمن في الولايات المتحدة، أي النظام الرأسمالي، وهذا الأمر لا يتسنى بعيداً عن شمولية ودينامية هذا النظام. ودون الالتفات في هذه اللوحة المعقدة، إلى خصوصيات الحالة الأميركية (دور الرأسمالية في نشأة وتطور المجتمع والدولة)، فإنَّ التراتبية العِرقية وكافة تصنيفاتها في الولايات المتحدة تظل مجردة وعائمة في فضائها المطلق دون أنْ تمس الوقع القائم، ناهيك عن أنها تبقى مختزلة ومبتورة من أصولها وجذورها التي تكمن تحديداً في نشأة الرأسمالية الأميركية وتطورها على امتداد القرون الأربعة الماضية.

بعبارة أخرى، فإنَّ الحديث عن العبودية والعِرق والعَرقنة والتمييز العُنصري، دون الغوص في الطبيعة والجذور الرأسمالية للمجتمع الأميركي وخارج سياق النظام الرأسمالي المهيمن عليه، يبدو وكأنه حديث يدور في كوكب آخر وزمن آخر. والأخطر أنَّ مثل هذه النظرة المبتورة والقاصرة تجعل من العِرق وكأنه الأمر العادي والطبيعي في تنظيم المجتمع والعلاقات الاجتماعية في ذلك البلد.[1]

قبل الدخول في مناقشة النهج المادي للعِرق والعُنصرية في الولايات المتحدة، يفيدنا أنْ نقدم بعض الملاحظات المكثفة لتسليط بعض الضوء على الأوضاع العِرقية في أميركا كمدخل للتحليل الطبقي لهذه المسألة.

1) إنَّ ما نراه في المشهد الأميركي الراهن يعود في جذوره إلى نشأة المجتمع الأميركي وإنَّ التمييز العُنصري متأصل فيه. لذا يبقى هذا المجتمع عُنصرياً في الجوهر حتى وإن اتخذت العُنصرية أشكالاً ومظاهر مختلفة في الوقت الراهن.

2) منذ ولادة الدولة الأميركية ـ كمستوطنة أوروبية بيضاء على الشواطئ الشرقية لأميركا الشمالية وكمجتمع رأسمالي عُنصري، وخلال حقبات تطوره على مدى القرون الأربعة الأخيرة، طغت العُنصرية ومشاكلها على كافة جوانب الحياة والمجتمع في أميركا. هكذا ظلّ العِرق، عبر كافة هذه المراحل كما في الزمن الراهن، مشهداً مركزياً وعاملاً رئيساً في الحياة والمجتمع والسياسة الأميركية.

3) لسنا بصدد مناقشة العِرق كتصنيفات عِرقية أو اصطفافات إثنية أو قومية، مما لا يعني أننا نقلل من مخاطر العقيدة العُنْصرية وتجلياتها التمييزية وتأثيراتها الاقتصادية والمعيشية الجسيمة على كافة مستويات وأنشطة الحياة اليومية والاجتماعية والسياسية. بل نتناول العوامل الاجتماعية والطبقية للعِرق وانعكاساتها على الفرد والمجتمع من حيث إنّها (أي العوامل الطبقية) هي الأساس في تنظيم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والفئات الاجتماعية والجماعات العِرقية والإثنية والقومية المختلفة. فبغض النظر عن تفسير الفوارق بين الناس، أفراداً وجماعات، وجذور نشأتها، فإنَّ العِرق والتمييز العُنصري يمثلان، من حيث الممارسة العملية، نهجاً في تحديد الفوارق بينهم، بالإضافة إلى أنَّ الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للعِرق على الحياة اليومية للناس والعلاقات فيما بينهم، هي أمر لا يمكن محوه أو تجاهله أو التقليل منه.

4) وهذا يعني أننا، وبالمعيار ذاته، لسنا معنيين هنا بالنظريات “العلمية” أو “الأكاديمية” التي تنظّر وتؤدلج لتأكيد الفوارق بين الأعراق بغية ترسيخ تراتبية عِرقية تتسلسل فيها الأعراق وفق فَوْقية هذا ودونية ذاك، بل سنعمل على تفنيد هذه الأكاذيب. يكفينا في هذا المقام أنْ نخلص إلى نتيجة مفادها أنَّ هذه الطروحات تستند إلى دوغما عِرقية تدّعي الموضوعية والأمانة الأكاديمية وتنتحل صفة الأدلة “العلمية” لإثبات تراتبية عِرقية يقف فيها الأبيض على قمة الهرم، بينما تلحق به الأعراق الأخرى تنازلياً وصولاً إلى المواقع المتدنية في هذا السُلّم.

5) كما أنَّنا لسنا بصدد الرد على الادعاءات الأيديولوجية العِرقية أو طرح البدائل الثورية لتغيير الواقع الأميركي. لأنَّ هذا، رغم أهميته القصوى، يقع في صلب إستراتيجية النضال من أجل التغيير الجذري ومهامه.

العبودية والمصالح الطبقية: خصوصيات الحالة الأميركية

ينبع التمييز العُنصري من طبيعة المشاريع الكولونيالية الأوروبية البيضاء ويستمد عناصره ومكوناته من هذه المشاريع. وتصبح هذه المسألة بالغة الأهمية إذا التفتنا إلى ما يدور من حولنا في الحقبة الراهنة لعولمة رأس المال والحروب الإمبريالية الأميركية على أوطاننا وأجزاء أخرى من العالم والتي تهدف إلى بسط هيمنة الإمبريالية الأميركية على شعوبنا ونهب ثرواتها.

وعليه، فإنَّ العبودية والتمييز العُنصري في أميركا، (وبالمجمل في التاريخ الأوروبي الكولونيالي)، يستمدان جذورها من ديناميكية طبقية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمشاريع الكولونيالية والأمبريالية الأميركية والأوروبية التي غزت، وما زالت، الشعوب بهدف نهب مواردها وثرواتها واستجلاب العبيد كمصدر للعمل الرخيص (بل غير مأجور وبدون كلفة). قد تبدو هذه الأطروحة بديهية ومتناغمة مع حقائق التاريخ الأميركي، إلاّ أنَّ هناك العديد من المدارس والتيارات الفكرية والسياسية التي تختلف وتتناقض معها. ولا غرابة أنْ تكون هذه التيارات هي ذاتها التي حرصت دوماً على التنكر لحقائق التاريخ وتعلبيه على نحو يخدم مصالح الطبقة الحاكمة ويروج لمفاهيم العُنْصرية والشوفينية. وفيما يلي عينة من هذه الأكاذيب والمزاعم:

أ) إنَّ العبودية والعُنْصرية تطورت في حقبة تاريخية وسياق اجتماعي مختلفين، ومن خلالها تكونت العلاقات الاجتماعية والإنسانية واتخذت أشكالاً معنية. وكذلك الأمر في العُنْصرية في أميركا التي قامت على أرضية تناقضات وتوترات أخلاقية وفلسفية تكونت في سياق نشأة الدولة والمجتمع الأميركي وأعاقت درب البحث عن “الروح القومية” الجمعية للشعب الأميركي. إلاّ أنَّ كلا الأمرين، العبودية والعُنْصرية، تتابع هذه المقولة سردها، قد غدا شيئاً من الماضي الغابر ولا راهنية لهما في واقعنا اليوم.

ب) إنَّ التمييز العُنصري يعود في أسبابه وأصوله إلى الفروق في العادات والتقاليد والمعتقدات وطرائق العيش التي سادت بين جماعات بشرية مختلفة شكّلت طيفاً موزاييكياً من الإثنيات والأعراق.

تفضي هذه الأطروحات في نهجها ومنطقها إلى استنتاجات مفادها أن:

(أ) العُنْصرية هي نتاج، وإن كان نتاجاً سيئاً وكريهاً، للمركزانية الإثنية التي تتميز بنزوع طبيعي وشديد نحو العُنْصرية والتمييز العُنصري؛

(ب) التمييز العُنصري هو مجرد اعتقاد لفئة معينة أو عِرق أو إثنية معينة ولا علاقة له بظروف موضوعية وعوامل مادية معينة تشكّل التربة التي نشأ فيها وتترعرع؛

(ج) وبناء عليه، فإنَّ جذور ودينامية العُنْصرية في أميركا تكمن في مواقف ومفاهيم ومعتقدات مجردة لامادية، لاتاريخية، غير موضوعية وبالتالي فهي غير راهنية. وهذا هو بيت القصيد والمحور المركزي لمثل هذه الطروحات.

وتتجلى خطورة هذه الأطروحات، على الأقل من حيث دورها في صياغة المفاهيم العامة للثقافة الشعبية، في:

أ) دأبها المستمر على تفادي النهج المادي والتحليل الطبقي في تفسير العلاقات العِرقية والخطاب العِرقي في أميركا.

ب) سعيها نحو البروباغندا والتضليل الأيديولوجي والبحث المستمر عن الذرائع لتبرير التمييز والاستغلال العُنصريين واختزال الصراع الاجتماعي في أميركا (وعلى رأسه مسألة العِرق) إلى قضية أخلاقية وغيبية. ولعل القصد من هذا هو تكريس النتيجة التي تقول إنّه إذا كانت القضية أخلاقية فإنها، في المحصلة، تستدعي حلاً أخلاقياً وهو تحديداً الوهم الذي طالما سعت الطبقة الحاكمة في أميركا إلى ترسيخه في الوعي الشعبي وفي صورة أميركا في الداخل والخارج.

ج) لقد ترسخت هذه الأطروحات في الأوساط الثقافية والأكاديمية والإعلامية على نحو يسهّل من مهمتها في تزييف وتشويه الوعي الشعبي ويضاعف من تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على الحياة اليومية. وهنا تحديداً تكمن مخاطر مثل هذه التيارات والمدارس الفكرية والسوسيولوجية والسياسية والتي تتجاوز الجدل النظري أو الأخلاقي المحض في تشويه الوعي الشعبي وتعزيز الفروق بين الفئات والطبقات الاجتماعية وقَبول هذا كله على أنّه أمر طبيعي وعادي، بل لعله “الطبيعي والعادي”.

مدخل إلى الفهم الطبقي للعِرق في أميركا

يقدم النهج المادي تفسيراً للعِرق والفوارق العِرقية في أميركا يتجاوز التعريفات والمفاهيم البيولوجية والفيزيائية، ويؤسس لفهم العِرق على أنّه مجموعة من الناس يُعتقد أنَّها جماعة بشرية وعِرق معين أو متميز وسط تناقض المصالح بين الأعراق والإثنيات المختلفة ويتم قَبولها على هذه الأرضية. (انظر لاحقاً)

كان أوليفر كوكس (1901 ـ 1974)  Oliver Cox أحد روّاد هذا النهج وأعلامه البارزين قد التفت مبكراً إلى تغييب النهج المادي الماركسي في تحليل العِرقية في أميركا وكتب العديد من الأعمال التي أعادت الاعتبار لهذا النهج واعتمدته ركيزة أساسية في تحليلها. ومن أهم هذه الأعمال كتابه الشهير Caste, Class and Race الذي رأى النور في طبعته الأولى عام 1948 ثم توالت بعدها طبعات أخرى.

على ضوء هذا الفهم، عرّف أوليفر كوكس الجماعة العِرقية أو الإثنية على أنّها الجماعة البشرية التي تعيش في علاقة تنافسية، استعلائية او إخضائية، مع جماعة (جماعات) أخرى داخل الدولة الواحدة أو البلد الواحد أو الحيز الاقتصادي الواحد. فالعِرق بحد ذاته ولوحده ليس “أمراً حقيقياً” ولا معنى له ولا راهنية بمعزل عن أنمطة معينة من العلاقات الاجتماعية التي تعيش الأعراق في ظلها. وهذا التعريف الاجتماعي للعِرق، هو بمثابة رفض للتصنيفات البيولوجية للعِرق وللادعاءات التي قامت عليها مدّعية مصداقية العلم والأنثروبولوجيا. وتتجاوز أهمية التعريف الاجتماعي هذا مجرد الرفض للأسس الأنثروبولوجية وصولاً إلى التأكيد على أنَّ هذه الأسس لا علاقة لها بواقع العلاقات العِرقية كظاهرة اجتماعية من المنظور السوسيولوجي لأنّ هذه العلاقات نشأت وتطورت بين الأعراق ضمن ظروف اجتماعية وطبقية معينة وفي إطار تشكيلة اجتماعية معينة بمعزل عن آية اعتبارات بيولوجية أو معايير انثربولوجية.

العِرق في جوهره في إطار النظام الرأسمالي عامة وأميركا خاصة:

1) هو نتاج لعلاقات العمل الرأسمالي وديناميته، تلك العلاقات التي تعود في جذورها إلى العبودية. وهنا يكون مربط الفرس في فهم مسألة العِرق والعِرقية في أميركا والمجتمعات الرأسمالية بشكل عام. فتجارة العبيد، وهو الأمر الذي كثيراً ما يتم إغفاله بالرغم من وضوحه، كانت بكل بساطة وسيلة للعمل الرخيص أو الاستعبادي ـ المجاني من أجل نهب موارد أميركا ـ المستوطنة الأوروبية المُكتشفة حديثاً. وعليه، فإنَّ الاستغلال العِرقي لم يكن سوى جانب من جوانب استغلال بروليتارية العامل بغض النظر عن عِرقه أو لون بشرته. ومن هنا أيضاً فإنّ “التناقض العِرقي” هو في الكنه صراع طبقي وحصيلة علاقات العمل الرأسمالي.

2) إلاّ أنَّ ارتكاز العِرق والعُنْصرية على التحليل الطبقي لا ينفي طبيعة الاضطهاد العِرقي ولا يتنكر لوحشيته أو لكلفته الإنسانية الباهظة أو يقلل من أهمية النضال ضد العُنْصرية ومناهضة تجلياتها العِرقية بشكل واضح ومباشر.

3) كما أنّه لا ينفي التمييز العُنصري الذي تمارسه الطبقة العاملة البيضاء ضد العمال من الأعراق المختلفة، وخصوصاً السود واللاتين، أو كما يسمونهم في الولايات المتحدة اللاتينو. (انظر الملحق 1). وتؤكد هذه الرؤية على أنَّ الرأسماليين المستغِلين حرصوا دوماً على إنتاج وتغذية وإدامة التناقض والمزاحمة بين العمال البيض من جهة، والسود واللاتينو والملوّنين من جهة أخرى.

العِرق بين الطبقي والليبرالي

في حين يقوم الخطاب السائد في أميركا على الهوية السياسية والتمثيل السياسي (الانتخابات) ويتجاهل كليةً التحليل والنقد النابعين من فهم العلاقة التناحرية بين رأس المال والعمل، فإنَّ التحليل الطبقي للعِرق والعُنْصرية يؤكد، في جوهره، على فهم العِرق وإدراكه على أنّه حصيلة العلاقات الاجتماعية القائمة في سياق تاريخي واجتماعي معين وفي إطار الاقتصاد السياسي الذي يحكم هذه العلاقات. ويتناقض هذا الفهم مع المفاهيم التي يروّج لها الليبراليون والتي أرسوها على ثالوث غير مقدس في فهم العلاقات الاجتماعية قوامه مكونات ثلاثة (أ) تصنيف الجماعات البشرية على أساس العِرق، (ب) ترسيخ التراتبية العِرقية لهذه التصنيفات وتنظيمها وفق سلّم عِرقي، و (ت) الأيديولجية العِرقية والعُنْصرية. وفي حين تدّعي الأطروحات الغيبية للعِرق بأنّه ليس سوى “مرض قومي” وعلى هذا الأساس يقتضي معالجته، فإنَّ الفهم الطبقي للعِرق يؤكد على أنَّ العُنصرية ليست مجرد مرض بل هي نمط للعلاقات الاجتماعية والطبقية. ولعل الفارق بين هذين الطرحين هو ما يكشف خبث الادعاءات الليبرالية وآثارها المدمرة على العلاقات القائمة وعلى مفاهيم وأساليب النضال ضد التمييز العُنصري. فالعِرق لا يسير ولا يدوم بسبب قوته الذاتية الدافعة بل هناك من الدوافع والعوامل التي تنتجه وتعيد إنتاجه وهي كامنة في التشكيلات الاجتماعية في مجتعات معينة وفي ظل ظروف تاريخية معينة تشمل طبيعة الدولة والسلطة (الطبقة) الحاكمة والقانون.

تداخلات الطبقة والعِرق والإثنية

نبدي فيما يلي بعض الملاحظات المفتاحية والضرورية كمدخل لمناقشة جدلية العلاقة بين الطبقة والعِرق في أميركا:

1) ترتبط الطبقة وتتأثر، في تكوينها ونسج علاقاتها، ارتباطاً مباشراً بمجال الإنتاج (نمط وعملية وعلاقات الإنتاج)، وهذه العوامل هي التي تشكّل الظروف المادية التي تحدد وتحكم أوضاع الفئات الاجتماعية والإثنية والعِرقية المختلفة.

2) إلاّ أنَّ الطبقات الاجتماعية تتكون كحصيلة لصراع مديد عبر عمليات تاريخية طويلة تتداخل فيها العلاقات الاقتصادية والأيديولوجية والسياسية من جهة، والعلاقات بين العِرق والإثنية والجندر من جهة ثانية. فالطبقات (والعلاقات الطبقية) وإن تكونت أساساً في مجال الإنتاج حيث تتحدد معالمها وتتمركز مصالحها وعلاقاتها، إلاّ أنَّ تكوينها لا يقتصر على المجال الاقتصادي البحت، لأنَّ العوامل الاجتماعية والثقافية وحتى الإثنية والجندرية تجد هي أيضاً انعكاساتها وتعبيراتها في تكوّن الطبقات والفئات الاجتماعية والعلاقات الطبقية التي تتبلور بينها كأطراف ومكونات للصراع الطبقي في المجتمع.

3) نخلص من هذا إلى أنَّ تكوّن الطبقات والعلاقات الطبقية في فضائها الأوسع ليس نتاجاً للعملية الإنتاجية لوحدها، بل هي تتأثر وتتشكل تاريخياً وبشكل مترابط متفاعلة مع عوامل الإثنية والعِرق والجندر كتقسيمات اجتماعية،[2] مما يفضي إلى استنتاجين:

الأول، أنَّ البحث في العملية الطبقية وعلاقاتها يقودنا، في نهاية المطاف، إلى الاشتباك المباشر مع العلاقات الإنتاجية ـ الاقتصادية والإجتماعية والإثنية والثقافية فيما بينها وتفاعلها المتبادل وتداخلاتها في فضاءاتها الطبقية وغير الطبقية.

والثاني، أنَّ الفصل بين هذه المكونات (الإنتاجية ـ الاقتصادية والاجتماعية والعِرقية والإثنية والجندرية وغيرها) إنَّما يمهد لفصل “الخطاب” عن “الممارسات الفعلية” في الواقع العملي. وعليه، فإنّ الفهم النقدي والشامل يستلزم معالجة الجدلية بين هذه المكونات كلها والعلاقات التبادلية بينها.[3]

4) تتجلى هذه اللوحة في المجتمعات العُنْصرية في المركز الرأسمالي وبوضوح أكثر في تلك البلدان التي نشأت كمستوطنات أوروبية بيضاء كما هو الحال في أميركا وغيرها. ونستطيع من خلال قراءة التطور الاجتماعي والإثني لهذه المستوطنات الاستخلاص بأنَّ العملية الطبقية تتشكل وتتبلور عبر الصراعات والنضالات والأفعال وردود الأفعال العِرقية والإثنية والثقافية بالإضافة إلى العوامل المادية والاقتصادية.

5) بالمقياس ذاته نخلص إلى أنَّ العملية الإنتاجية (نمط وعملية وعلاقات الإنتاج) والتي تحدد الظروف المادية لتكوين الفئات الاجتماعية والإثنية والعِرقية، هي التي تتسبب في تهميش وحرمان الطبقات والفئات الاجتماعية المضطَهدة من الإفادة من الموارد والبرامج والخدمات والفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المجتمع. وهو ما نشهده بجلاء في المجتمع العُنصري الأميركي.

6) العِرق ودور الفرد: تتحدد قيمة الفرد في المجتمع الرأسمالي حسب موقعه الطبقي اي حسب علاقته مع رأس المال والتي هي علاقة تتحدد على أساس الموقع من العملية الإنتاجية والعلاقة بين العمل المأجور ورأس المال (ما يُعرف بعلاقات العمل الرأسمالي). بالإضافة، فإنَّ العُنصرية في هذا المجتمع تقيم اصطفافات وتراتبية اجتماعية وتشكّل جزءاً أساسياً من علاقات رأس المال بالعمل. لذا، فإنَّ العِرق ليس منعزلاً عن هذه العلاقات، فهو بنية اجتماعية طبقية، وبهذا المعنى أيضاً يصبح شرطاً لفهم الواقع القائم ورسم برامج وآليات التغيير الاجتماعي. ومن هنا يتضح كيف رسمت النخبة البيضاء المهيمنة حدود “الحيز المُتاح” لدور الآخر غير الأبيض بما فيه العمال غير البيض وقدرتهم على تنظيم فعلهم السياسي والطبقي وأشكال نضالاتهم المطلبية والنقابية والسياسية.

7) وحيث إنَّ المجتمع العُنصري، والرأسمالي الأميركي خاصة، في جوهره مجتمع إقصائي فإنَّ هذه العوامل ترتبط وتتأثر بشكل أو بآخر ولو جزئياً، بهذه الطبيعة الإثنية الإقصائية. ومع أنَّ هذه الطبيعة ترتبط بشكل وثيق بالتركيبة الإثنية للمجتمع، إلاّ أنّها تنبع أساساً من البنية الاجتماعية ـ الطبقية ـ الاقتصادية التي قامت لحماية المصالح الطبقية والامتيازات الاجتماعية والسياسية للنخبة المهيمنة (الأغلبية البيضاء).

8) تلعب الدولة (السلطة، الطبقة الحاكمة والمهيمنة) في عملية الإقصاء والتهميش هذه دوراً رئيساً وحاسماً. فهي التي تخلق وتشرعن الحواجز والمعيقات التي تحول دون حصول الفئات المضطَهدة (التي يقوم تصنيفها أساساً على معايير الطبقة والإثنية والجندر) على المساواة والعدالة والحريات والحقوق وحرمانها من المشاركة الاجتماعية والسياسية المتساوية، وذلك عبر آليات وبنى تغيب فيها المساواة وتتحدد بها شروط المشاركة القائمة على تصنيفات الطبقة والإثنية والجندر.

9) “الأغلبية البيضاء”… هي إثنية أيضاً:ففي الجدل القائم في الولايات المتحدة حول أوضاع وأفعال الأقليات الإثنية وردود فعلها، يتم النظر إلى صفة الإثنية وكأنها مجرد واحدة من مكونات الأقليات الإثنية، أيّ أنه يتم إلصاق صفة “الإثنية” بالأقليات غير البيضاء فقط، فيما يُعفى البيض من هذه الصفة على أساس أنهم “الأغلبية”. وهذا يستدعي الالتفات إلى الجانب العِرقي أو الأثني لهذه “الأغلبية” والذي يتم تغييبه دوماً. وعليه، فالأميركيون البيض هم “إثنية” أيضاً.

يقودنا هذا التحليل إلى ضرورة صياغة نظرة بديلة لـ”الإثنية البيضاء” التي تشكّل الشرط الرئيس لنمط التمييز العِرقي والفوارق العِرقية في النظام الاجتماعي القائم في أميركا. وهنا نصل، من حيث النظرة إلى الإثنية، إلى التمييز بين مستويين:

ـ الإثنية كإحدى مكونات الأقليات الإثنية غير البيضاء.

ـ الأغلبية البيضاء كإثنية بحد ذاتها وذات وضع إثني مستقل.

تبدو الإثنية البيضاء، لدى التأمل في الواقع الأميركي، وكأنها الطبيعية/العادية، التي تمثل ما يُسمى بـ”نمط الحياة الأميركية” على ما في هذه التسمية من تعميم وتلاعب. ووفق هذه النظرة، فإنَّ الإثنية ونمط حياتها هي التي تتحكم بفتح الأبواب أمام الإثنيات الأخرى (المسماة أقليات) وإتاحة فرص الفعل والتعبير شريطة أنْ تبقى الأقليات غير ـ البيضاء غريبة أو دخيلة عن المجتمع الأبيض (كما كان الحال مع الهنود الأصلانيين)، أو إذا ما أصبحت أقل اكتراثاً وتمسكاً بهويتها ومصالحها وأكثر استعداداً للتخلي عنها أو إنْ كانت قد تخلت عنها بالكامل. بعبارة أخرى، فإنَّ الباب يظل مفتوحاً أو موارباً أمام هذه الأقليات طالما أنَّها لا تصطدم مع حقوق ومصالح وامتيازات ما يسمونه “الكل الإثني” وشريطة ألاّ تتحدى هيمنة الإثنية البيضاء.

10) من أجل تعزيز مصداقيتها و”تعليب” هيمنتها وإضفاء الطابع الجمعي على المجتمع العُنْصري والعملية السياسية، تنتحل النخبة البيضاء المهيمنة لنفسها تمثيل “الكل القومي الأميركي”، مع الحرص على الرطانة والتغني بمساهمات الأقليات الإثنية الأخرى في العملية السياسية والقومية الجمعية.

11) تطرح هذه القضايا العديد من الأسئلة حول تداخلات لون البَشَرة بالعُنْصرية والطبقة وطغيان هذه العوامل على الخطاب العِرقي في أميركا. فحينيسود لون البَشْرة كثنائية، (أي ثنائية الأبيض ـ الأسود وبالمدلول العملي الأبيض كجلاد والأسود كضحية)، وحين تطغى هذه الثنائية على التصنيفات العِرقية، فإنَّ الكثير من الأمور تختلط ويبدو وكأن كل ضحايا العُنْصرية على شاكلة واحدة ومن لون واحد ويتم تغييب العوامل والفوراق الأخرى (مثل الفوارق بين الطبقات الاجتماعية والإثنيات والفوارق بين الرجل والمرأة):

أ) تكون الخسارة الكبرى في هذا الخلط هو ضياع الفوراق في ألوان التجارب وأشكال المعاناة ودرجاتها، بحيث تبدو الممارسات العُنْصرية على فظاعتها وكأنها غير مرئية أو ربما “غير موجودة”. وللتوضيح أذكر على سبيل المثال أنه حين تسود صور عُنصرية الأبيض ضد الأسود، تستعصي وربما تستحيل رؤية التمييز ضد فقراء العالم الثالث أو ضد العمال اللاتينو المهاجرين وغيرهم.

ب) في المقابل فإنَّ فهم العُنصرية في أميركا ضمن ثنائية الأبيض ـ الأسود، قد يُلحق الضرر بصورة الأبيض ذاته ويشوه صورة الواقع وهو ما يستدعي الحذر، إذ يصبح الأبيض، كل البيض، عُنصريين ويتم التعامل معهم على هذا الأساس دون الانتباه إلى التمفصلات المختلفة للعُنْصرية والمتأصلة في الطبقة والإثنية والجندر وغيرهما من الأطياف الاجتماعية والإثنية.[4]

* الفصل الحادي عشر من كتاب ” أميركا الأخرى: أميركا في عيون مُغتَرِبٍ عربي”، لمؤلفه مسعد عربيد، الصادر عام 2014 عن دار فضاءات في عمان – الأردن.

الجمعة، 3 يوليو 2020

نيرتتي

نيرتتي

:::---:::

الا الفرص التى بين المشارق
ليس حد الإنتهاء
كل ما ترأها  تطلق أجنحة لقاء
تنثره ضياء لكل إشتياقات  المساء
تسابق المسافات البعيدة حنيناً و إخاء
ليس كتلك التي لا توهج الطرق وتمنح الضياء
لا تحلق كتحليق الحمام حين البدء تبلغ سماء
أو تلبس  الورد في بياض ثوب البقاء
أي الفرص تلك التى يشحنها الخيال هباء
تقعد الخطوات وترخي النداء
ليس عذراً إن تنهدت رئة وطال الجفاء
لا يصنع وهج الشموس من إلتباس الإرتخاء
او من بسترت عرق الجباه في مصانع الرخاء
انتِ التعلق و الإنتماء
الترقب حين يشتد الحر بالقوافل رغم العناء
ان بكت أقدامنا وطالت نهارات الرمضاء
كل أفق في الحلم أخفى شموس اللقاء
ورهنت الحناجر أصوات العناء
ومات في الصيف قدوم الغناء
و أطل الشتاء فوق شتاء
ورفضت السماء أن تنزل رحمة الإهداء
وضجت الموائد بالمواني دون سفن العطاء
لا .. ثم لا بعدد خيوط الشمس ان يحتلنا الفناء
لا ..للريح وهي لا تحمل بثديها بذور اللقاح سناء
لا .. لإرتحال النساء دون اللقاح والعمر هباء
لا .. للبقاء الذي يرهن المسافات ويفرض الفناء
لا .. للإنتظار المر في قوافل الرجاء
لا .. للمغيب الشمس عند الصحيان بدهاء
لا .. لتمدد الخوف وندثار الفعل لحظة الانتهاء
لا .. للبطاقات التي تزيف المهرجان بعواء
لا .. لعطش الشفاء دون هتاف ونداء
لا ..للمرايا التي تثير فتنة الخداع تطلب البقاء
لا .. للكهارب حين لا تضئ الشوارع وقت تمطر السماء
اي المعاني الباكيات الباقيات في ألم الجراح
في ارتحال الطير دون معالم الصباح
دون ارتكاب همس الفعل المباح
دون أن تروض الآمال وتطلقها جناح
بإختلاس  هواجس الروح ردحاً دون أفراح
غابت ام لم تغب شمس الفعل المباح
تلك هي ملمح الفرح ودنيانا دون صباح
دون الابتسامات الضحكات و وجه بواح
وطني متعب كل صباح يضج مثقل الجراح
بالقهر والذل يمضي دون آمال
بالقنابل حين تمطر من السماء بلا صبر تنهال
ملء سكك الموت بعراة الأشلاء من كل الأطفال
نزعوا سروال حياء هرباً و زحفاً بدون بال
تركوا ألعابهم والأشياء الجميل لوشوشة القتال
ولاح عنهم بكاء الضمير فمضى دون انفعال
دون التوتر غفاء دهراً ونام بالأمال
دون الإهمال جمع ماله ومال
الجوع يطحن النمل
والموت تمطره السماء
يثقب خيام النزوح تستقبله النساء
عذراء يغتصبها الرصاص دون رجاء
يغتصبها الجن من حيث لايدري الجماع إلا دماء
نيرتتي يا حديقة الغيم  يا جنة السماء
والفعل اللا مباح في تواريخ الطغاة اشتهاء
كنباح الجن الذي لا يدري قُبل اللقاء
عليك السلام يا جنة خطبتها الدماء
على لحن المنايا وطعم الصراخ زفت للغرباء
نيرتتي يا لؤلؤة العيون أتاك الجن بظهر الدماء
وأديك حريق نهر إغتصاب النساء
قهقه الريح مع الطغاة تكبير ودعاء
ونحن على الشط نصارع الفرص رجاء
نقتال حين نستولد النقاش كل لسان حرباء
يطعننا إخوتنا ليس غباء
نحن من لا يترك عذراً للغرباء
نحن لا نموت حسب ما يمليه الاشتهاء
نحن البدء ليس في حياتنا إنتهاء
غنوا للجرح ليحيا الوطن الشهداء

عادل البراري 
11 يناير 2017